مقال : بنية المجتمع الإنساني والنظام الاجتماعي
بُنية المجتمع الإنساني عِبارة عن شبكة مِن أنظمةِ التاريخ المعرفية ، وأنساقِ المعنى المُنظَّمة ، وظواهرِ الوُجود الثقافية ، وتقاطعاتِ اللغة الرمزية . وهذه الشبكة تُمثِّل
الصورة للتوضيح فقط - تصوير simpson33 iStock
الأساسَ العقلاني للمنهج الفكري الذي يَمنح الشرعيةَ للبناء الاجتماعي ، ويُكوِّن المفاهيمَ المركزية الحياتية التي تُنظِّم النشاطَ الاجتماعي ، وتَقُوده نَحْوَ تحقيقِ الحاجات الإنسانية ، وتَلبيةِ الرغبات الفردية، وتَفعيلِ الأحلامِ الجماعية. وبما أن أفراد الجماعة مُرتبطون بعلاقات أخلاقية ، ومُلتزمون بمبادئ التاريخ المُشترك ، ومُنخرطون في عمليات نفعية مُتبادلة ، فلا بُد أن تَظهر قواعد جديدة للوَعْي الاجتماعي ، تَكُون بمثابة أنوية لِسُلطة التفاعل بين الذاتِ والشَّيء مِن جِهة ، والحقيقةِ والفِعْل مِن جِهة أُخرى . وسُلطة التفاعل ذات طبيعة تراكمية ، لا تُولَد دَفْعَةً واحدةً ، وإنَّما تُولَد وَفْق مراحل قَصْدِيَّة غَير تلقائية ، حَيث تَبدأ هذه السُّلطةُ بالتَّشَكُّل كمفهوم ، ثُمَّ تُصبح سُلوكًا مُعاشًا وعادةً يوميَّةً ، ثُمَّ تتحوَّل إلى قِيَم وجودية ومعايير إنسانية ، ثُمَّ تَصِير كِيَانًا فلسفيًّا يَعترف به الأفراد ، ويَلْتَفُّون حَوله ، لأنَّه يُحقِّق المنفعةَ الشخصيَّة ، والمصلحةَ العامَّة .
وكُلُّ كِيَان فلسفي إذا صارَ ضرورةً للمُجتمع أفرادًا ومُؤسسات ، فإنَّه سيتطوَّر إلى بناء اجتماعي . وإذا اكتملَ هذا البناءُ ، فإنَّ المنظومة الإبداعية الحياتية ستصبح كاملةً ، وقابلةً للتطبيق على أرض الواقع . وهذه المنظومة هي التي تُولِّد خصائصَ الفِعل الاجتماعي ، وتُحدِّد وظيفةَ الإنسان الاجتماعية داخل النسق الحضاري الشامل ، وتُعطي الزخمَ للنشاط الاجتماعي كَي يتحرَّر من الضغوطات الماديَّة ، وتُجمِّع العناصرَ الفكرية المُبعثرة في تفاصيل الحياة الاستهلاكية ، وتُؤَسِّس الوَعْيَ الإنساني على قاعدة اجتماعية صُلبة . وهذا الحراك يتشكَّل في الذهن قبل الواقع ، ويتجسَّد في التصوُّرات قبل المَوجودات.
النظام الاجتماعي هو تنظيمٌ لإفرازات الوَعْي التاريخي ، وتكثيفٌ لمناهج تحليل الشُّعور ، وتَوحيدٌ لأجزاء الذات الإنسانية المُتشظِّية في الاغتراب الوِجداني ، وتفسيرٌ لمصادر المعرفة التي تُمثِّل وحداتٍ وظيفية ومُركَّباتٍ حضارية . لذلك يَستطيع النظامُ الاجتماعي أن يُكيِّف نَفْسَه معَ المراحل الزمنية المُختلفة ، ويتأقلم معَ الحاجاتِ الإنسانية المُتغيِّرة . لكنَّ الإشكالية تَكمن في إيجاد حاضنة للنظام الاجتماعي ، تَضمن له النُّمُوَّ بشكل طبيعي ، حتى يتمكَّن مِن توليد السُّلوك الاجتماعي الواعي غَير الارتجالي . والحاضنةُ هي كَينونةٌ معنوية لها أهداف واضحة ، ووجودها يعني منعَ التعارض بين بُنيةِ المجتمع الإنساني والوظيفةِ الوجودية التي يُؤَدِّيها النظام الاجتماعي . والتوفيقُ بين البُنية والوظيفة يَحُول دُون تَحَوُّلِ الذوات الإنسانية إلى أصنام ، وَتَحَوُّلِ النظام الاجتماعي إلى طُقوس ، وتَحَوُّلِ الأفكار المُبْتَكَرَة إلى أجِنَّة مَيتة . لذلك ، يجب المحافظة على حركة العناصر الإبداعية في المجتمع ، ومنع تَوَقُّفها ، حتى تَصِير تَيَّارًا معرفيًّا مُستمرًّا ، ومَشروعًا تنمويًّا دائمًا ، ونموذجًا حضاريًّا رائدًا . وعُذوبةُ الماء تتجلَّى في جَرَيانه وعدم ثباته ، وكُلُّ ماء راكد سَيُصبح آسِنًا ينتظر الحَجَرَ الذي يُحرِّكه .
السُّلوك الاجتماعي لا يُمكن أن يُصبح نظامًا معرفيًّا مُستمرًّا ودائمًا ، ومُعْتَرَفًا به ، ومُوَافَقًا عليه ، إلا إذا تمَّت إزالةُ كافة العقبات أمام التغيُّرات الإيجابية في المُجتمع ، وتحويلُ انعكاسات حركة التاريخ على الفرد والجماعة إلى ظواهر واعية وتنظيمات مقصودة، من أجل تحقيقِ الأهداف الخاصَّة ، وتنفيذِ الطموحات العامَّة ، وَدَمْجِ إفرازات النشاط الاجتماعي في بيئة الإبداع ، وتدعيمِ منظومة الحقوق والواجبات ، وتنظيمِ مراحل التغيُّر الاجتماعي بما يتلاءم معَ طبيعة الظواهر الثقافية ، ووفقًا للمسار الحياتي العام ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تكامُل شخصية الفرد في ظِل المأزق الوجودي ، واكتمالِ ماهيَّة المجتمع في ظِل التحديات المصيرية . وهذه الثنائية العابرة للتَّجنيس الأيديولوجي وحُدودِ الزمان والمكان ( تكامُل الشخصيَّة / اكتمال الماهيَّة ) تَمنع ذِكرياتِ الفرد مِن التمرُّد على ذاكرة المجتمع ، وتَحْمِي ذاكرةَ المجتمع مِن الذَّوَبَانِ في الأفعال الارتجالية والحالات المِزاجية ، والاضمحلالِ في الوَعْي المُزَيَّف الذي يُنتج تاريخًا خياليًّا لا وُجود له على أرض الواقع .
من هنا وهناك
-
‘ يسوع أنت فصحُ السّماء ‘ - بقلم : زهير دعيم
-
مقال: ليست الأسود والقردة فحسب: عن التجارة غير القانونية بالحيوانات البرية
-
‘ أنا وجبران والصّليب...‘ - بقلم: زهير دعيم
-
رأي في اللغة ‘إشارةٌ إلى اسم الإشارة قل: هؤلاءِ العلماء، وقل: هذهِ العلماء‘ - بقلم : د. أيمن فضل عودة
-
‘ دهشة مقدسيّة ‘ - بقلم : حسن عبادي من حيفا
-
مقال: ‘ترامب: أحبه ويُحبني وتُحب مصالحه تحالفي‘ - بقلم : أحمد سليمان العُمري
-
مقال: الخطايا الثلاث لمرشح الانتخابات - بقلم : اسعد عبدالله عبدعلي من العراق
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي.. عسل
-
المحامي زكي كمال يكتب : ترامب .. بين قيادة العالم وجرّه إلى الهاوية
-
‘لم يكن بالإمكان أفضل مما كان‘ - بقلم : وسام بركات عمري
أرسل خبرا