منير قبطي يكتب: حين تتحول الهوية إلى رصاصة - قراءة في فكر أمين معلوف وواقع الجريمة المنظمة في مجتمعنا العربي
أمين معلوف هو كاتب وصحفي لبناني–فرنسي، وُلد عام 1949، ويُعرف بكتاباته التي تستكشف قضايا الهوية والثقافة والانتماء. يستخدم أسلوبًا يجمع بين السرد التاريخي والتأمل الفلسفي. أصدر كتابه
منير قبطي - صورة شخصية
"الهويات القاتلة" عام 1998، وفيه يناقش كيف يمكن أن تتحول الهوية من مصدر تنوع وغنى إلى أداة للانقسام والعنف، عندما يتم اختزال الإنسان في انتماء واحد فقط.
في مجتمعنا العربي داخل إسرائيل، بات الحديث عن الجريمة المنظمة وفرض الخاوة جزءًا من يوميات الناس. مدن وقرى كانت يومًا رمزًا للحياة والكرامة، تحولت إلى ساحات صراع بين العصابات، وإلى مسارح لفرض النفوذ بالقوة والخوف. في هذه اللحظة المظلمة من تاريخنا، يبرز فكر الكاتب أمين معلوف كصرخة وعي، تذكرنا بأن الجريمة ليست قدرًا، وأن الهوية ليست رخصة للقتل.
في كتابه "الهويات القاتلة"، يحذّر أمين معلوف من خطر حصر الإنسان في هوية واحدة، لأن هذا يمكن أن يؤدي إلى العنف والقتل. فحين تصبح الهوية، مثل الدين أو العائلة أو القبيلة، مجرد شعار يرفعه القاتل لتبرير جرائمه، فإنها تفقد معناها الحقيقي والجميل. وهذا ما نراه اليوم في مجتمعنا، حيث تستخدم بعض العصابات الانتماء العائلي أو القبلي كغطاء لأعمالها الإجرامية، وتفرض "الخاوة" على الناس وكأنها حق شرعي، مع أنها تُنتزع بالقوة والسلاح.
الجريمة التي نشهدها اليوم ليست نزوة عابرة، بل نظام متكامل يتغذى على الخوف، وعلى ثقافة مريضة ترى في التهديد والسلاح وسائل طبيعية لحل النزاعات أو لتحقيق المكاسب. في بلدات مثل أم الفحم، كفر قاسم، الطيبة والناصرة، يدفع أصحاب المحال التجارية والمشاريع ثمنًا باهظًا، ليس فقط من أموالهم، بل من إحساسهم بالأمان والانتماء. الخاوة لم تعد كلمة غريبة، بل تحولت إلى حقيقة مرة، تفرضها جماعات تعتبر أن لها حقًا مطلقًا في رقاب الناس باسم العائلة أو العصبية أو "الحماية".
في فكر أمين معلوف، الهوية الحقيقية هي مشروع للحرية، لا للعبودية. الإنسان مكون من طبقات متشابكة من الانتماءات الثقافية والإنسانية، ولا يحق لأي جهة أن تختزل وجوده في ولاء أعمى لعائلة أو طائفة أو جماعة مسلحة. حين نرضخ لثقافة الخوف، وحين نبرر دفع الخاوة أو السكوت عن الجريمة بحجة حماية "الهوية"، نكون قد تخلينا عن أسمى قيمنا الإنسانية والوطنية.
التصدي للجريمة المنظمة يبدأ بتغيير طريقة تفكيرنا: بالتحرر من الخوف، وبتعزيز ثقافة المواطنة والعدالة فوق أي انتماء ضيق. يجب أن نعلم أبناءنا أن حماية العائلة لا تعني التستر على المجرمين، وأن كرامة الهوية لا تُصان بالسكوت عن الظلم بل بالتصدي له، حتى لو كلفنا ذلك مواجهة الأقربين.
رسالة أمين معلوف واضحة وقوية: من لا يدافع عن إنسانيته بتعدد انتماءاته، يقع فريسة لهوية قاتلة تسلبه حريته. نحن اليوم أمام مفترق طرق: إما أن نعيد بناء مفهوم هويتنا ليكون جسرًا للعدالة والحرية، أو أن نواصل التراجع تحت رايات زائفة تقودنا إلى مزيد من الدماء والدمار.
الهوية مشروع حياة، لا مشروع موت. والمستقبل، كما كان يقول معلوف، ملك لأولئك الذين يملكون الشجاعة لتخطي العصبيات وإعادة اكتشاف الإنسان في قلب كل انتماء.
المصادر:
1) مكتبة ومضة
2) عصير الكتب
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il
من هنا وهناك
-
‘ يسوع أنت فصحُ السّماء ‘ - بقلم : زهير دعيم
-
مقال: ليست الأسود والقردة فحسب: عن التجارة غير القانونية بالحيوانات البرية
-
‘ أنا وجبران والصّليب...‘ - بقلم: زهير دعيم
-
رأي في اللغة ‘إشارةٌ إلى اسم الإشارة قل: هؤلاءِ العلماء، وقل: هذهِ العلماء‘ - بقلم : د. أيمن فضل عودة
-
‘ دهشة مقدسيّة ‘ - بقلم : حسن عبادي من حيفا
-
مقال: ‘ترامب: أحبه ويُحبني وتُحب مصالحه تحالفي‘ - بقلم : أحمد سليمان العُمري
-
مقال: الخطايا الثلاث لمرشح الانتخابات - بقلم : اسعد عبدالله عبدعلي من العراق
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي.. عسل
-
المحامي زكي كمال يكتب : ترامب .. بين قيادة العالم وجرّه إلى الهاوية
-
‘لم يكن بالإمكان أفضل مما كان‘ - بقلم : وسام بركات عمري
أرسل خبرا