منير قبطي - صورة شخصية
النفايات تنتشر بشكل غير مسبوق في شوارع الناصرة. الحاويات مليئة، والأكوام تتكدّس حولها لأيام، مما أدى إلى انتشار الزواحف، الذباب، الجرذان والفئران، وروائح كريهة تخنق الأحياء، وتحوّل المدينة من بيئة للعيش إلى مصدر قلق صحي ونفسي. الشوارع في حالة يُرثى لها، الحفر تملأ المداخل، الأرصفة مكسّرة، والبلدة القديمة والأحياء الجديدة على حد سواء تعاني من نفس مظاهر الإهمال. المواطن فقد الأمل بأن أحدًا يرى هذا الواقع ويتعامل معه بجدية.
ما يزيد من خطورة الوضع هو أن موظفي البلدية أنفسهم يعيشون في أزمة خانقة. رواتب متوقفة، حسابات مصرفية مجمدة، تصنيف ائتماني منخفض، وضغوط حياتية لا تُحتمل. هؤلاء الموظفون الذين يُفترض أن يكونوا الواجهة الخدمية للمواطنين، أصبحوا هم أنفسهم بحاجة لمن يخدمهم، ولمن يُنقذهم من وضع اقتصادي لا يُطاق. الحديث عن خط ساخن في البلدية لا يغيّر من الواقع شيئًا طالما أن هذا الخط لا يُنتج حلولًا فعلية، ولا يتابع الشكاوى حتى النهاية. الاتصال موجود، لكن الاستجابة غائبة، والمتابعة منعدمة، والثقة تنهار.
في ظل هذا المشهد، ما يحتاجه الناس ليس تبريرات ولا خطبًا. يحتاجون إلى صوت واضح من داخل البلدية يعترف بالمشكلة، يضع الواقع كما هو أمام المواطنين، ويعرض ما يمكن فعله حتى في ظل التحديات. المطلوب ليس المستحيل، بل الحد الأدنى من المسؤولية: كلمة صادقة، خطة طارئة، تحرك واضح، وأولوية واضحة للنظافة، الصيانة، والكرامة.
صحيح أن هناك تمييزًا مؤسساتيًا تاريخيًا من قبل الحكومة المركزية، وصحيح أن الناصرة تُحرم من كثير من الحقوق، لكن الصمت البلدي أمام كل ذلك ليس حلاً. إن لم يكن بالإمكان الحل، فعلى الأقل يمكن الحديث بصراحة مع الناس، ومشاركتهم الواقع، والعمل معهم لا بعيدًا عنهم.
من هنا، من وسط هذا الألم، هناك دعوة واضحة إلى بلدية الناصرة: تحركوا. خاطبوا الناس. نظّموا جهود التنظيف. تحدثوا مع الموظفين. طالبوا بحقوق المدينة بصوت عالٍ. أعيدوا الثقة إلى أهل الناصرة بأن بلديتهم معهم، تسمعهم، وتراهم. الناصرة لا تطلب المعجزات، بل بيئة نظيفة، شوارع صالحة، موظفين يحصلون على حقوقهم، وخطاب قيادي لا يكتفي بالتحذير، بل يبادر ويواجه الواقع. الوقت ليس في صالحنا. المدينة تتألم، والناس تنتظر أن يشعر بها من هم في موقع المسؤولية. لقد آن الأوان أن تقول البلدية كلمتها، لا في نشرات رسمية فقط، بل من خلال تواجد حقيقي، وجهد يومي، وموقف واضح.
الناصرة تستحق أكثر… وأهلها يستحقون أن يعيشوا بكرامة